responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 566
اللَّهِ
ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ تَعَالَى إِذَا خَلَقَهَا فِيهِمْ فَهَبْ أَنَّ الْعَبْدَ مُكْتَسِبٌ إِلَّا أَنَّ انْتِسَابَ الْفِعْلِ إِلَى الْخَالِقِ أَقْوَى مِنَ انْتِسَابِهِ إِلَى الْمُكْتَسِبِ فَكَانَ إِسْنَادُ تِلْكَ الْكَتْبَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْلَى مِنْ إِسْنَادِهَا إِلَى الْعَبْدِ، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَسْتَحِقُّوا الْحَمْدَ عَلَى قَوْلِهِمْ فِيهَا إِنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ تِلْكَ الْكَتْبَةَ لَيْسَتْ مَخْلُوقَةً لِلَّهِ تَعَالَى.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ الدَّاعِيَةَ الْمُوجِبَةَ لَهَا مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى بِالدَّلَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فهي أيضاً تكون كذلك والله أعلم.

[سورة البقرة (2) : آية 80]
وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)
اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ النَّوْعُ الثَّالِثُ مِنْ قَبَائِحِ أَقْوَالِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَهُوَ جَزْمُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُهُمْ إِلَّا أَيَّامًا قَلِيلَةً، وَهَذَا الْجَزْمُ لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ بِالْعَقْلِ الْبَتَّةَ أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا، فَلِأَنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ لَا اعْتِرَاضَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ فِي فِعْلِهِ، فَلَا طَرِيقَ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ فَلِأَنَّ الْعَقْلَ يَدُلُّ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمَعَاصِيَ يُسْتَحَقُّ بِهَا مِنَ اللَّهِ الْعِقَابُ الدائم، فلما دل العقل على ذلك احتج فِي تَقْدِيرِ الْعِقَابِ مُدَّةً ثُمَّ فِي زَوَالِهِ بَعْدَهَا إِلَى سَمْعٍ يُبَيِّنُ ذَلِكَ، فَثَبَتَ أَنَّ عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ لَا سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ إِلَّا بِالدَّلِيلِ السَّمْعِيِّ، وَحَيْثُ تُوجَدُ الدَّلَالَةُ السَّمْعِيَّةُ لم يجز الجزم بدلك، وهاهنا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرُوا فِي تَفْسِيرِ الْأَيَّامِ الْمَعْدُودَةِ وَجْهَيْنِ. الْأَوَّلُ: أَنَّ لَفْظَ الْأَيَّامِ لَا تُضَافُ إِلَّا إِلَى الْعَشْرَةِ فَمَا دُونَهَا، وَلَا تُضَافُ إِلَى مَا فَوْقَهَا. فَيُقَالُ: أَيَّامٌ خَمْسَةٌ وَأَيَّامٌ عَشَرَةٌ وَلَا يُقَالُ أَيَّامٌ أَحَدَ عَشَرَ إِلَّا أَنَّ هَذَا يُشْكِلُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ [الْبَقَرَةِ: 183، 184] هِيَ أَيَّامُ الشَّهْرِ كُلِّهِ، وَهِيَ أَزْيَدُ مِنَ الْعَشَرَةِ. ثُمَّ قَالَ الْقَاضِي: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْأَيَّامَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا فَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ الْأَقَلُّ أَوِ الْأَكْثَرُ لِأَنَّ مَنْ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ يَقُولُ أَحْمِلُهُ عَلَى أَقَلِّ الْحَقِيقَةِ فَلَهُ وَجْهٌ، وَمَنْ يَقُولُ عَشَرَةٌ يَقُولُ أَحْمِلُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ وَلَهُ وَجْهٌ، فَأَمَّا حَمْلُهُ عَلَى الْوَاسِطَةِ أَعْنِي عَلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنَ الْعَشَرَةِ وَأَزْيَدُ مِنَ الثَّلَاثَةِ فَلَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عَدَدٌ أَوْلَى مِنْ عَدَدٍ اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا جَاءَتْ فِي تَقْدِيرِهَا رِوَايَةٌ صَحِيحَةٌ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقَوْلُ بِهَا، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قَدَّرُوهَا بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ تَقُولُ: الدُّنْيَا سَبْعَةُ آلَافِ سَنَةٍ فَاللَّهُ تَعَالَى يُعَذِّبُهُمْ مَكَانَ كُلِّ أَلْفِ سَنَةٍ يَوْمًا، فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
وَحَكَى الْأَصَمُّ عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعِجْلَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ.
وَحَكَى الْأَصَمُّ عَنْ بَعْضِ الْيَهُودِ أَنَّهُمْ عَبَدُوا الْعِجْلَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فَكَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَذِّبُنَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ. أَمَّا الْأَوَّلُ: فَلِأَنَّهُ/ لَيْسَ بَيْنَ كَوْنِ الدُّنْيَا سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ وَبَيْنَ كَوْنِ الْعَذَابِ سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُنَاسَبَةٌ وَمُلَازَمَةٌ الْبَتَّةَ. وَأَمَّا الثَّانِي: فَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْمَعْصِيَةِ مُقَدَّرَةً بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ أَنْ يَكُونَ عَذَابُهَا كَذَلِكَ. أَمَّا عَلَى قَوْلِنَا فَلِأَنَّهُ يَحْسُنُ مِنَ اللَّهِ كُلُّ شَيْءٍ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ فَلِأَنَّ الْعَاصِيَ يَسْتَحِقُّ عَلَى عِصْيَانِهِ الْعِقَابَ الدَّائِمَ مَا لَمْ تُوجَدِ التَّوْبَةُ أَوِ الْعَفْوُ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَ مِنِ اسْتِيفَاءِ الزِّيَادَةِ فَقَالَ: وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها [الشُّورَى: 40] فَوَجَبَ أَنْ لَا يَزِيدَ الْعِقَابُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ؟ قُلْنَا: إِنَّ الْمَعْصِيَةَ تَزْدَادُ بِقَدْرِ النِّعْمَةِ. فَلَمَّا كَانَتْ نِعَمُ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ خَارِجَةً عَنِ الْحَصْرِ وَالْحَدِّ لَا جَرَمَ كَانَتْ مَعْصِيَتُهُمْ عَظِيمَةً جِدًّا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ فَسَّرَ هَذِهِ الْأَيَّامَ بِالْأَرْبَعِينَ، وَهُوَ عَدَدُ الْأَيَّامِ الَّتِي عَبَدُوا الْعِجْلَ فِيهَا، وَالْكَلَامُ عَلَيْهِ أَيْضًا كَالْكَلَامِ عَلَى السَّبْعَةِ.

نام کتاب : تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير نویسنده : الرازي، فخر الدين    جلد : 3  صفحه : 566
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست